سورة يوسف - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاء} للاستتار والتجسر على الاعتذار {يَبْكُونَ} حال عن الأعمش لا تصدق باكية بعد إخوة يوسف، فلما سمع صوتهم فزع وقال ما لكم يا بني هل أصابكم في غنمكم شيء؟ قالوا: لا. قال: فما بالكم وأين يوسف؟ {قَالُواْ يا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} أي نتسابق في العدو أو في الرمي. والافتعال والتفاعل يشتركان كالإرتماء والترامي وغير ذلك {وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ متاعنا فَأَكَلَهُ الذئب وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا} بمصدق لنا {وَلَوْ كُنَّا صادقين} ولو كنا عندك من أهل الصدق والثقة لشدة محبتك ليوسف فكيف وأنت سيء الظن بنا غير واثق بقولنا؟! {وَجَاءوا على قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} ذي كذب أو وصف بالمصدر مبالغة كأنه نفس الكذب وعينه كما يقال للكذاب هو الكذب بعينه والزور بذاته. رُوي أنهم ذبحوا سخلة ولطخوا القميص بدمها وزل عنهم أن يمزقوه، ورُوي أن يعقوب عليه السلام لما سمع بخبر يوسف صاح بأعلى صوته وقال: أين القيمص، فأخذه وألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص وقال: تالله ما رأيت كاليوم ذئباً أحلم، من هذا أكل ابني ولم يمزق عليه قميصه. وقيل: كان في قميص يوسف ثلاث آيات كان دليلاً ليعقوب على كذبهم {وألقاه على وجهه فارتد بصيراً} ودليلاً على براءة يوسف حين قد من دبره. ومحل {على قميصه} النصب على الظرف كأنه قيل: وجاؤا فوق قميصه بدم {قَالَ} يعقوب عليه السلام {بَلْ سَوَّلَتْ} زينت أو سهلت {لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا} عظيماً ارتكبتموه {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} خبر أو مبتدأ لكونه موصوفاً أي فأمري صبر جميل، أو فصبر جميل أجمل وهو ما لا شكوى فيه إلى الخلق {والله المستعان} أي استعينه {على} احتمال {مَا تَصِفُونَ} من هلاك يوسف والصبر على الرزء فيه.


{وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ} رفقة تسير من قبل مدين إلى مصر وذلك بعد ثلاثة أيام من إلقاء يوسف في الجب، فأخطأوا الطريق فنزلوا قريباً منه، وكان الجب في قفرة بعيدة من العمران وكان ماؤه ملحاً فعذب حين ألقي فيه يوسف {فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ} هو الذي يرد الماء ليستقي للقوم اسمه مالك بن ذعر الخزاعي {فأدلى دَلْوَهُ} أرسل الدلو ليملأَها فتشبث يوسف بالدلو فنزعوه {قَالَ بُشْرىً} كوفي نادى البشرى كأنه يقول: تعالى فهذا أوانك. غيرهم {بشراي} على إضافتها لنفسه أو هو اسم غلامه فناداه مضافاً إلى نفسه {هذا غُلاَمٌ} قيل: ذهب به فلما دنا من أصحابه صاح بذلك يبشرهم به {وَأَسَرُّوهُ} الضمير للوارد وأصحابه أخفوه من الرفقة، أو لأخوة يوسف فإنهم قالوا للرفقة: هذا غلام لنا قد أبق فاشتروه منا، وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه {بضاعة} حال أي أخفوه متاعاً للتجارة، والبضاعة ما بضع من المال للتجارة أي قطع {والله عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} بما يعمل أخوة يوسف بأبيهم وأخيهم من سوء الصنيع {وَشَرَوْهُ} وباعوه {بِثَمَنٍ بَخْسٍ} مبخوس ناقص عن القيمة نقصاناً ظاهراً أو زيف {دراهم} بدل من {ثمن} {مَّعْدُودَةً} قليلة تعد عداً ولا توزن لأنهم كانوا يعدون ما دون الأربعين ويزنون الأربعين وما فوقها وكانت عشرين درهماً {وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزهدين} ممن يرغب عما في يده فيبيعه بالثمن الطفيف، أو معنى {وشروه} واشتروه يعني الرفقة من إخوته {وكانوا فيه من الزاهدين} أي غير راغبين لأنهم اعتقدوا أنه آبق. ويُروى أن إخوته اتبعوهم وقالوا: استوثقوا منه لا يأبق. و{فيه} ليس من صلة {الزاهدين} أي غير راغبين لأن الصلة لا تتقدم على الموصول، وإنما هو بيان كأنه قيل: في أي شيء زهدوا؟ فقال: زهدوا فيه.


{وَقَالَ الذى اشتراه مِن مّصْرَ} هو قطفير وهو العزيز الذي كان على خزائن مصر والملك يومئذ الريان بن الوليد وقد آمن بيوسف ومات في حياته واشتراه العزيز برَنته ورقاً وحريراً ومسكاً وهو ابن سبع عشرة سنة، وأقام في منزله ثلاث عشرة سنة، واستوزره ريان بن الوليد وهو ابن ثلاثين سنة، وآتاه الله الحكمة والعلم وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة {لاِمْرَأَتِهِ} راعيل أو زليخا واللام متعلقة ب {قال} لا ب {اشتراه} {أَكْرِمِى مَثْوَاهُ} اجعلي منزله ومقامه عندنا كريماً أي حسنا مرضياً بدليل قوله {إنه ربي أحسن مثواي} وعن الضحاك: بطيب معاشه ولين لباسه ووطئ فراشه {عسى أَن يَنفَعَنَا} لعله إذا تدرب وراض الأمور وفهم مجاريها نستظهر به على بعض ما نحن بسبيله {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} أو نتبناه ونقيمه مقام الولد، وكان قطفير عقيماً وقد تفرس فيه الرشد فقال ذلك {وكذلك} إشارة إلى ما تقدم من إنجائه وعطف قلب العزيز عليه. والكاف منصوب تقديره ومثل ذلك الإنجاء والعطف {مَكَّنَّا لِيُوسُفَ} أي كما أنجيناه وعطَّفنا عليه العزيز كذلك مكنا له {فِي الأرض} أي أرض مصر وجعلناه ملكاً يتصرف فيها بأمره ونهيه {وَلِنُعَلّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث} كان ذلك الإنجاء والتمكين {والله غَالِبٌ على أَمْرِهِ} لا يمنع عما شاء أو على أمر يوسف بتبليغه ما أراد له دون ما أراد إخوته {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} ذلك {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} منتهى استعداد قوته وهو ثمان عشرة سنة أو إحدى وعشرون {آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} حكمة وهو العلم مع العمل واجتناب ما يجهل فيه أو حكماً بين الناس وفقهاً {وَكَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} تنبيه على أنه كان محسناً في عمله متقياً في عنفوان أمره.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8